المتحدث واللغة العربية

المتحدث واللغة العربية

  • المتحدث واللغة العربية

اخرى قبل 5 سنة

 

المتحدث واللغة العربية

بكر أبوبكر

لا يخفى على أحد أهمية اللسان العربي خاصة ونحن نتكلم هذه اللغة وحفاظنا عليها كأمة اللسان العربي من مسيحيين شرقيين، ومسلمين، تعتبر مهمة حضارية لنا بشكل أساسي.وحتى إن خلطنا اللهجات العامية أحيانا او الفصحى المبسطة بكلامنا، فهذا يضفي ألوانا على حديثنا ما دام متجذرا في لغتنا، والتي أضحت اليوم مجال تمسك بالحضارية والتميّز والانفتاح للامة ذات اللسان القرآني، او اللسان العربي وهي أي اللغة ليست لسانا فقط يتم التكلم به، بل هي تاريخ وثقافة وطريقة تفكير تثري المتحدث وتبلغه المقاصد.

يقول حافظ إبراهيم:

     فـــــــلا تكلونــــــــــي للزمـان فإنَّنـي      أخاف عليكم أن تحين وفاتـي

      أرى لرجال الغـربِّ عِـزًّا ومنعة       وكـم عــــــــــزَّ أقوامٌ بعــــــــزِّ لغاتِ

 

إن لغتنا العربية يجب أن تكون أداة حديثنا الرئيسة بلا شك، ننمي قدراتنا فيها بكل الأشكال، لاسيما ونحن نؤكد على ضرورات الاستشهاد بالآيات وبالأشعار والحوادث والإخباريات العربية، والعرب لهم من الديوان المتسع ما شمل كل شيء وهو الشعر ديوان العرب، ولهم من التراث الحضاري العميق ما اتسع لجميع العلوم، فهذا لساننا وهذه هويتنا كأمة (بعربها وكوردها وأمازيغها...) من المحيط الى الخليج، ولنعرج هنا على بعض ما تَمْتَازُ اللُّغةُ العَربيَّةُ  مِن السِّمَاتِ وَالْخَصَائِصِ؛ كما يكتب د.عبدالله حسن.[1] لعلنا نستفيد ونتعلم معا.

أولاً:السّعَةُ وَالْمُرُوْنَةُ: أنَّ اللُّغةَ العَربيَّةَ تتميَّزُ بثباتِ الأُصُولِ وَمُرونةِ الفُرُوْعِ، وثباتُ أُصولِ الألفاظِ ومُحافظتِها عَلَى رَوَابِطِهَا الاشتقاقيَّةُ يُقابِلُ استمرارَ الشَّخصيَّةِ العربيَّةِ خِلالَ العُصورِ، فُالحِفَاظِ عَلَى الأَصْلِ واتِّصالِ الشَّخصيَّةِ واستمرَارِهَا صِفَةٌ يَتَّصِفُ بِهَا اَلْعَرَبُ، كَمَا تَتَّصِفُ بها لُغُتُهُمْ، إِذْ تُمكِّنُ الخاصَّيَّةُ الاشتقاقيَّةُ مِنْ تمييزِ الدَّخيلِ الغريبِ مِنْ الأَصِيْلِ. وبهذه المُرونةِ عُولِجَتْ مَسألةُ المُصطلحَاتِ. 

 وللعربية قُدرتُها الفائقةُ على استخدامِ أكثرَ مِنْ طريقةٍ لتثبيتِ ألفاظٍ جديدةٍ في قامُوسِهَا: كالقَلْبِ المَكَانِيِّ، والنَّحْتِ، والتَّعريبِ، وغيرها.

  ومِنْ مُرونتها كذلك، الظَّواهِرُ الصَّوتيَّةُ؛ مِنْ إبدالٍ، وإدغامٍ، وإظهارٍ، وإخفاءٍ، ورُومٍ، وإشمامٍ، وأيضاً: كاسمِ المكانِ، والزَّمانِ، والسَّببيَّةِ، والحرفَةِ، والأصواتِ، والآلةِ، والتَّفضيلِ..الخ، تلكَ المُرُونَةُ التي أتاحَتْ لها أَنْ تغدوَ لُغةَ الحَضَارَةِ فِي القُرُونِ الوُسطى.

ثانيًا:الإِيْجَازُ وَالاخْتِصَارُ: على الرَّغمِ مِنْ السِّمةِ السَّابقةِ ـ سِعَةُ العَربيَّةِ ومُرونتُها ـ إلا أنَّ مِنْ سماتِهَا أيضًا" الإيجازُ والاختصارُ"، والاختصار والإيجاز صفةٌ واضحةٌ في اللغةِ العربيةِ. يقولُ الرَّسُولُ :«أُوْتِيْتُ جَوَامِعُ الكَلِمِ»( )، ويقولُ العربُ:(خيرُ الكلامِ مَا قلّ ودلَّ). وَأَوْجُهُ الاخْتِصَارِ فيها كثيرةٌ ( )؛ منها:

1ـ الإِيْجَازُ فِي الَحَرْفِ: حيثُ تُكتبُ الحَركاتُ في العربيَّةِ عندَ اللَّبسِ فوقَ الحرفِ أوتحتَهُ، بينمَا فِي اللُّغاتِ الأجنبيَّةِ تأخذُ حَجْماً يُساوِي حَجْمَ الحَرْفِ أَوْ يزيدُ عليه. وقدْ نحتاجُ في اللُّغةِ الأجنبيَّةِ إلى حرفين مُقابلَ حرفٍ واحدٍ في العربيَّةِ لأداءِ صَوْتٍ مُعيَّنٍ؛ كالخَاءِ (KH) مثلاً، وفي العربيَّةِ إشارةٌ نُسمِّيها(الشَّدَّةَ)، نَضعُها فوقَ الحَرْفِ لِندلَّ على أَنَّ الحَرْفَ مُكرَّرٌ أَوْ مُشدَّدٌ، أَيّ أنَّه في النُّطقِ حَرفانِ، وبذلك نستغني عن كتابته مُكرراً، ونحنُ في العربيَّة قد نستغني كذلك بالإدغامِ عَنْ كِتابةِ حُروفٍ بكامِلِهَا، وقَدْ نَلْجَأُ إلى حَذْفِ حُروفٍ. فنقول (عَمَّ) عوضاً عن (عن ما) و(مِمَّ) عوضاً عن(من ما) و(بِمَ) عوضاً عن (بما) ومثلها (لِمَ) عوضاً عن (لِما).

2ـ الإيجازُ فِي الكَلِمَاتِ: وهذه أمثلةٌ لعددِ حُرُوفِ بعضِ الكَلِمَاتِ فِي العَربيَّةِ والفَرنسيَّةِ والإنجليزيَّةِ:

العَرَبِيَّةُ         اَلْفِرِنْسِيَّةُ       اَلإنْجِلِيْزِيَّةُ

3ـ الإيجازُ فِي التَّراكِيْبِ: الجملةُ والتَّركيبُ فِي العربيَّةُ قائمانِ أصلاً على الإيجازِ. ففي الإضافةِ يكفي أَنْ تُضيفَ الضَّميرَ إلى الكَلِمَةِ وكأنَّهُ جزءٌ منها:كِتَابُهُ(son livre)،كتابُهم (leur livre). وأمَّا إضافةُ الشَّيءِ إلى غيرِهِ فيكفِي فِي العربيَّةِ أنْ نُضيفَ حركةً إعرابيَّةً، أيّ صوتاً بسيطاً إلى آخرِ المُضَافِ إليه، فنقولُ: (كِتَابُ التِّلميذِ، وَمَدْرَسَةُ التَّلاميذِ)، على حينِ نستعملُ في الفرنسيَّةِ أدواتً خاصَّةً لذلك، فنقولُ:(le livre de l’élève،l’école des élèves).

   وأمَّا في الإسناد فيكفِي فِي العَربيَّةِ أَنْ تذكرَ المُسندَ والمُسْنَدَ إليه وتتركُ لِعَلاقةِ الإسنادِ العقليَّةِ المنطقيَّةِ أَنْ تصلَ بينهما بلا رابطةٍ ملفوظةٍ أو مكتوبةٍ، فنقولُ مثلاً (أَنَا سَعِيْدٌ)، عَلَى حينِ أَنَّ ذلك لا يتحقَّقُ فِي الفِرنسيَّةِ أو الإنكليزيَّةِ، ولا بُدَّ لَكَ فيهما مِمَّا يُساعدُ على الرَّبطِ، فتقولُ:je suis heureux )، ( I am happy. وبناءُ الفعلِ للمَجُهولِ يكفِي فِي العربيَّةِ أَنْ تُغيِّرَ حَرَكَةَ بَعْضِ حُرُوفِهِ، فتقولُ:(كُتِبَ) على حينِ نقولُ بالفرنسيَّةِ (il a été écrit) وفي الإنكليزية (it was written). وفي العربيةِ إيجازٌ يجعلُ الجُملةَ قائمةً على حرفٍ: (فِ) من وَفَى يَفِي، و(عِ) مِنْ وَعَى يَعِي، و(ق) مِنْ وقَى يَقِي، فهذه الحُرُوفُ إنَّما تُشكِّلُ في الحقيقةِ جُملةً تَامَّةً؛ لأنَّها فعلٌ وقدْ استترَ فيها فاعلُها وجوباً. وفي العربيَّةِ ألفاظٌ يَصعُبُ التَّعبيرُ عَنْ مَعَانِيَها في لُغةٍ أُخرى بِمِثْلِ عَدَدِهَا مِنْ الألفاظِ؛ كأسماءِ الأفْعَالِ،  في العربيَّةِ (هَيْهَاتُ)، وفي الإنكليزية (it is too far)، و(شَتَّان) (there is a great difference )، وحرفُ الاستقبالِ مثل:(سأذهب)( I shall go ).

ـ والنَّفيُ أُسلوبٌ فِي العَربيَّةِ يَدُلُّ عَلَى الإيجازِ: نقولُ:(لَمْ أُقُابِلْهُ)،وفي الإنكليزية:(I did not meet him)، وفي الفرنسية:(Je ne l’ai pas rencontré).وفي العربية:(لَنْ أُقُابِلَهُ)، والإنكليزية:(I will never meet him

والفرنسية: ( Je ne le rencontrerai jamais ).

4ـ الإيجازُ فِي اللُّغةِ المَكْتُوْبَةِ:فمثلاً سُورةُ (الفاتحةِ) المؤلَّفةِ فِي القُرآنِ من (31 ) كلمةً استغرقتْ ترجمتُها إلى الإنكليزيَّةِ (70) كلمةً. ويقولُ الدُّكتور يعقوب بكر إِذَا ترجمنا إلى العربية كلاماً مكتوباً بإحدى اللُّغاتِ الأُوروبيَّةِ كانتْ التَّرجمةُ العربيَّةُ أقلَّ مِنْ الأصلِ بِنَحُوِ الخُمْسِ أَوْ أَكْثَرَ".( )

ومن خلاصات الكاتب يقول أنه:أكدت الدراسات أن العربية من اللغات التي يسهل حوسبتها وتعاملها مع تقنيات العولمة المعاصرة، فعلى سبيل المثال تحتل المركز السابع في انتشارها على الشابكة بعد (الإنجليزية، والصينية، والإسبانية، واليابانية، والبرتغالية، والألمانية)، وكذلك توجد وسائل تقنية جديدة من شأنها النهوض بتعليم العربية ونشرها؛ كالأقراص المدمجة، وأجهزة الحاسوب.

والى ذلك  أكدت الدراسات العلمية أنَّ العربية أحد أهم لغات المستقبل ويصعب اندثارها أو موتها.

كما أن مستقبل العربية يحتاج بل يستحق قرار سياسي عربي قومي ينظم الجهود ويطبق التجارب اللغوية والمقترحات العلمية.

 

حاشية

[1]  من بحث د.عبدالله حسن المعنون اللغة العربية وترويض العولمة،اصدار شبكة الألوكة، بدون تاريخ ولا مكان ص10-12  

 

 

________________________________________

[1]  من بحث د.عبدالله حسن المعنون اللغة العربية وترويض العولمة،اصدار شبكة الألوكة، بدون تاريخ ولا مكان ص10-12   

 

 

 

 

بكر أبوبكر

كاتب وأديب عربي فلسطيني

في الفكر والدراسات العربية والاسلامية

Baker AbuBaker

 

التعليقات على خبر: المتحدث واللغة العربية

حمل التطبيق الأن